ندوتان في بيت شعر الأقصر ونواكشوط

28 يونيو, 2021


بعد قطعها شوطاً من الإنجازات والحضور اللافت في فضاءات الثقافة في  مختلف الدول العربية ، أصبحت بيوت الشعر وجهة أولى للمبدعين ، إذ وجدت فكرة إنشائها الهادفة إلى الاعتناء بفن الشعر وحمايته والارتقاء به ودعم استمراره وتألقه ، جهودا مباركة تكللت بالنجاح والتألق.



لذلك أصبحت بيوت الشعر من أبرزالتظاهرات الثقافية التي تساهم في صناعة الفعل الثقافي ، نظرا لبرامجها الممتدة طوال العام ، المليئة بالأنشطة الثقافية المختلفة من أمسيات شعرية وندوات ثقافية وفكرية وغيرها من الفعاليات .



ومن تلك الأنشطة ما شهده شهر يونيو الحالي في بيت شعر نواكشوط ، حيث أقيمت مؤخرا ندوة فكرية في إطار برنامجه الفصلي "تجارب مثمرة"، استضافت الوزير- الدبلوماسي السابق، والكاتب محمد محمود ودادي.



في بدايةالندوة رحب الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر  بالضيف الكريم، وقدم الندوة قبل أن يتيح المجال لتقديم السيرة الذاتية للكاتب الدبلوماسي من أجل  إضاءة جوانب من حياته الثرية بالعلم والتعلم، والمناصب التي تقلدها مديرا وسفيرا ووزيرا، ولقاءاته مع ملوك ورؤساء العالم، إضافة إلى أهم مؤلفاته. 



توجه المحاضر بالشكر إلى بيت الشعر على الدور البارز الذي يضطلع به في الساحة الأدبية والثقافية الموريتانية، ثم خلص إلى الحديث عن طفولته في  مرتفعات –تكانت- ؛ حيث العزلة عن أخبار العالم، وأحوال دوله وثقافات شعوبه،  وعرج على تجربته الدراسية في معهد "بوتلميت" حيث بدأ يتعرف على العالم وكوّن صداقاتٍ ومعارف كان لها الأثر الإيجابي في مسيرتيه الشخصية والمهنية. 



ثم فتح ولد ودادي صندوق ذكرياته مع الإذاعة، منذ  أول مرة سمع فيها عن ذلك الصندوق السحري إلى أن تحولت الإذاعة إلى حلم، ثم تحول الحلم إلى التحاق رسمي بالمؤسسة التي تدرج فيها من صحفي متدرب إلى رئيس تحرير إلى مدير عام... وكانت الذكريات المتعلقة بالإذاعة كثيرة ومتشعبة وذات شجون، حيث كانت الإذاعة بالنسبة له مدرسة تعلم منها الكثير، وفيها ترك بصات مشهودة في تكوين جيل من الإعلاميين والشعراء والكتاب، ومن خلال العمل فيها أتقن  اللغة الفرنسية.



وفي نطاق تجربته المثمرة تكلم  عن بدايات مدينة نواكشوط والخطوات الأولى لتأسيس الدولة الموريتانية، وأعطى مساحة كبيرة في هذا الصدد للحديث عن جيل التأسيس، وعن التضحيات والجهود التي بذلوها لتأسيس دولة نعيش الآن تحت ظلالها على حد قوله .



بعد الحديث عن عتبة التأسيس تجاوز المحاضر إلى الإجابة عن سؤال حول عتبة التأليف والترجمة، معترفا أن تجربته في الإذاعة كانت السبب الأول في تأليفه الكتب لاحقا، حيث كان يكتب أكثر من مائة صفحة يوميا، وهو ما جعل الكتابة بالنسبة له تشبه الإدمان لفرط تعلقه بها، فغدت سهلة وسلسة وفعلا روتينيا في حياته.



قاده الحديث لاحقا عن جهوده في حفظ اللغة العربية وتراكيبها؛  خصوصا في التداول الإعلامي للمفردات الفصيحة.وخلص إلى توجيه الناشئة للاهتمام بالمسلكيات المدنية التي يراها غائبة لدى سكان المدينة في الوقت الحالي بينما كانت شيئا طبيعيا لدى سكان نواكشوط الوليدة قبل ستين عاما من الآن.



ثم كان ختام ندوة  "تجارب مثمرة" التي تداخلت فيها التجربة الذاتية للوزير السابق محمد محمود ودادي  مع تجربة ميلاد الدولة الموريتانية،  وكان حديثا ممتعا عبَر دروب الثقافة والكتابة والدبلوماسية والإعلام والفكر.



ونبه الكاتب محمد محمود ودادي إلى ضرورة القراءة والكتابة، وترشيد الوقت والإمكانيات، والاعتناء باللغة.،وقد تميزت الندوة بحضور جمهور كبير  ضم شخصيات أدبية وفكرية وإعلامية مميزة،وقد أهدى المحاضر مجموعة من مؤلفاته إلى مكتبة بيت الشعر.



وفي بيت شعر الأقصر ، أقيمت ندوة بعنوان "قصائد ونصوص من الأدب المصري القديم" استضاف فيها الباحث في الآثار المصرية والأديب محمد إمام صالح، احتفاء بحصوله على درجة الدكتوراه في الآثار المصرية من جامعة جنوب الوادي، وقدم  الندوة الشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر بالأقصر مؤكدًا على دور بيت الشعر في تقديم الوجوه الشابة المبدعة ودفعها إلى صدارة المشهد الثقافي.



تناول إمام الذى حصل على درجة الدكتوراه من كلية الآثار جامعة جنوب الوادي مع مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بالطبع فى موضوع بعنوان "العبادة الشعبية فى طيبة فى العصر المتأخر" وبعض النصوص والقصائد من الأدب المصري القديم.



بدأ الحديث عن فكرة الدين وفلسفة المصريين فيه، حيث لم يكن له كتاب مقدس ولكن كان طقسيا، وأضاف إمام إن فكرة الخلق عند المصريين القدماء جاءت بعد تفكير فلسفي عميق فالمصريون آمنوا بمعبود خالق، ونسبوا له كل الظواهر فىي الكون، علاوة على نماذج من العبادة الشعبية، واستعرض أيضًا قصائد شعرية فى الحب من فترة عصر الدولة الحديثة، والحرية التى تمتع بها الشباب فى التعبير عن حبهم وابتهالاتهم "لحتحور" آلهة الحب والسعادة آنذاك ،  لكي تضع حبهم فى قلب الآخر. ومن تلك  أشعار المصري القديم  التي ذكرها قوله ..



بلوعة و احتراق ينتظر العاشق محبوبته و يتحايل و ينصب الفخاخ ليسعد برؤيتها..



سأكذب و أدعي المرض سأنام.. و أحتجب في البيت ، سيأتي الجيران يطمئنون و حينها ستأتي معهم حبيبتي..



ومنها أيضا الأبيات  التي كان  ينشدها المصريون القدماء لآلهتم " حعبي"  الذي يحفظ مياه النهر الخالد :



تحية لك يا "حعبي"



أخرج من هذه الأرض



و احضر لتهب مصر الحياة



إنك تخفي مجيئك في الظلمات



و تعطي أمواهك البساتين



أنت واهب الحياة لكل ظمآن



عندئذ ارتفعت أصوات الأرض مهللة



البطون فرحة و سعيدة



و الزهور تهتز من الضحك



و الأسنان تمضغ