22 فبراير 2018
زمن الشعر
يستعيد الشعر العربي وهجه الأكثر شمولاً وتقطيراً من خلال المواسم الشعرية بالشارقة، ذات الصلة الحصرية بالمبادرة الكبرى لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، والمتصلة ببيوت الشعر العربي، انطلاقاً من الشارقة، وحتى العالم العربي، بالإضافة إلى بيت الشعر الشعبي بالشارقة، وما يباشره من عناية أُفقية بأنماط الشعر الشعبي في ذات الجغرافيا الثقافية الأنثربولوجية العربية الشاملة .
بيوت الشعر العربي في عديد المدن العربية التاريخية تحولت إلى روافد أساسية لمهرجان الشعر العربي بالشارقة، بالإضافة إلى الأمسيات الأدبية المتواترة على مدار العام، وبالمقابل أصبحت أُمسيات الشعر الشعبي بالشارقة مشمولة بأنماط البيان والبديع الشعبيين في عموم الساحة العربية، ولا تقف هذه المشاركات الصادرة عند حدود المنابر وما تنطوي عليه من تكشُّفات ومواهب، بل يتم توثيق النصوص الشعرية في إصدارات متنوعة .. تُجْلي الزخم الوافر لزمن الشعر العربي المعاصر، والمُتَّصل حصراً بثقافة البيان العربي التاريخي الذي كان الشعر وما زال بيت قصيده، ومنزل إقامته .
خلال الشهر الماضي كان للشعر في الشارقة أجلى الظهورات الأدبية والثقافية الشاملة، فقد احتضنت الشارقة مهرجانها السنوي للشعر العربي، كما تواصلت أمسيات الشعر الشعبي، وبالتوازي معهما كان المسرح حاضر الفعل في البُعدين الشعري والنثري، وبهذه المصفوفة من أزمنة الشعر العربي بشكليه الفصيح والعامي تجسَّرت العلاقة بين المستويين، كما تفرَّدت الحالة بمزيد من التدفقات الإبداعية، والانبجاسات في التأصيل والتجديد، والمشاركات العربية الشاملة، التي تعالت بالزمن الإبداعي للشعر، بوصفه نص النصوص العربية الأكثر توازناً، وانتظاماً، وتجريداً، وتعميراً لسديم الدلالة، بتعددية المعاني وتكاملية الفصوص.
يوصف الشعر العربي بوصفه ديوان العرب، وبيان تعبيرهم عن الوجود ببُعديه المرئي واللا مرئي، لكنه أيضاً التعبير الأقصى عن وجدانهم وتوقهم ومحايثتهم التراجيدية لدواعي الحياة وتقلباتها ومفاجآتها.
يختزل الشعر تلك المسافة المتعاظمة بين الأنا الرائية والحقائق الموضوعية، كما يتنكَّب مشقَّة التعبير عن خفايا النفس واعتمالاتها، وبهذا المعنى يتموْضع الشعر في زمن إبداعي مفارق لمألوف الزمان، وفي مكان مغاير لمألوف الأمكنة، ومن هنا تأتي أسرار المعاني المُتَّسعة بقدر سرائر البشر، وعوالم أنفسهم الطافية في سديم الزمان، وخرائب المكان.
الرافد/ 246
الكاتب : د. عمر عبد العزيز