تصعيد فكري ممنهج

12 يوليو, 2015

تجوب العالم حولنا أفكار يبدو أنها سابحة في فضاء عشوائي، وكلٌّ ينتقي منها وفق احتياجه للمعرفة والمعلومة وبما يناسب منهجيته وفكره وانتماءه، والحقيقة أن لا شيء عشوائياً يجوب هذا الكون، والمتخيل الفكري والإنساني؛ وإنما هي خطط منهجية  لتمرير المعارف والمعلومات والحقائق، وخطوط تدفقها عالمياً سواء للتنوير أو للتضليل.

العقول المفتوحة على إيدلوجيا التيه والوهم والفراغ، تلك العقول المتجهة نحو أفق يتسع للضياع وحده، وللخراب والتدمير، وما الانفتاح فيه إلا إغلاق محتم لاتساع المعرفة على الكل المعدم، الذي تسيطر عليه ظلمات الكون وتداخل المعارف والمغارف من مواعين لا تشبه إلا التيه في حقيقته وذاته، هي عقول آثرت مناحي الظلام واقتنعت بأن العتمة هي السبيل للخلاص من إكراهات الذات وضغوطات الحياة، والمنفذ لأفق يشبه التمني.

ضغوطات الحياة هي الفعل الذي نخلقه وننتهجه من أجل التذمر ومن أجل مزيد من الأعباء، وهي في الحقيقة أفكارنا وكيفما نوجهها ونترجمها ونسوقها، ونسبغ بها أوضاعنا وظروفنا وأعمالنا، والحقيقة وحدها هي المبحث المستمر في الحياة والذي يرفض التكشف في ظل المتغيرات المستجدات التي تقود لمزيد من التضليل في ظل انزياح الحقيقة والإغراق في تعتيمها الممنهج.
 

«البراغماتيه» فلسفة معاصرة، ابتكرها تشارلز ساندر بيرس «1839 ـ 1914»، وهو أول من استخدم هذا اللفظ عام 1878، ويذهب إلى أن نحدد السلوك الذي يمكن أن ينتج عن الأفكار، فليس السلوك بالنسبة لنا سوى المعنى الوحيد الذي يمكن أن يعبر عن فكرة ما، وهو صاحب فكرة وضع (العمل) مبدأً مطلقًا؛ «إن تصورنا لموضوع، ما هو إلا تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر»، والحقيقة أن العمل والفعل هما نتاج العقل الإرادي للإنسان وتوظيف كامل لأفكاره وأدواته الممنهجة من أجل نتاج عملي قابل لترك الأثر، هذا من منطق المعرفة والعمل وما سوى ذلك يعتبر فعلاً أداتيّاً لا إراديّاً تقوده أفكار آخرين تحرك أيدي العاملين من أجل نتاجات تشبه المحركات ولا تشبه المحركين.

هذا ويذهب كل الفلاسفة والمفكرين من معاصرين وحداثيين إلى ضرورة أن نجعل الأفكار واضحة لتأتي ترجماتها بشكل لا يقبل الفهم والتأويل الخاطئ، ولكي نبلغ الوضوح في أفكارنا لموضوع ما، فإننا لا نحتاج إلا إلى اعتبار ما قد يترتب عليه من آثار يمكن تصورها والتنبؤ بها بطابع عملي.

الحقيقة المطلقة في العالم هي التغيير وعدم الثبات، فأغلب الحقائق على وجه الأرض وتلك الأفكار السابحة عالمياً، والتي تتحول لموضوعات ونتاجات عملية، ما تلبث أن تستقر حتى تدور عجلة التغيير وتبعثر سكون استقرارها تنبؤاتنا بضرورة التجديد أو حتميته، لتتوافق مع الكل المتغير والمتجدد من محيطنا، وفي ذواتنا أيضاً.

عالمنا الذي نعيش وفضاءات تشكل أفكارنا تحتاج لمزيد من الوضوح والتحقق، وتحتاج لتقييم الراهن دون الثبات عند المرحلة، فعجلة الزمن السريعة لا تسمح بالمكوث عند الفكرة، وتطالب بالمزيد من النتاج العملي المتقن لتنبؤات وتصورات مستقبلية قابلة للتغيير والتجديد في الأفكار والنتاجات.