عصرنة التراث الإنساني

04 يوليو, 2015

طالت يد العصرنة والتطور كل شيء وقاربت التراث الإنساني بل تجاوزت في محاولات عدة حول العالم لصياغة الأدب والتراث الإنساني من قصص عالمية و أساطير و شعر وحكايات  شكل يجعلها متاحة وممكنة في كل زمان ومكان و لأي إنسان على هذه البسيطة.
 
الأمر الذي يجعلنا نلتفت وبشكل فاحص لهذا التراث ا لإنساني والأدب العربي المتمثل في القصة والشعر والحكاية وما صاحبها من تعصرن وتطور في كيفية ملاءمتها للفكر، هل هو بتوازٍ واتساقٍ مع المشهد بشكل عام؟ وللطفل بشكل خاص؟
 
فقصة الطفل المعصرنة التي تتخذ من التراث الإنساني أو من القصص العالمية والأ ساطير مو ضوعاً لطفل اليوم، لا بد أن تتعرف في بداية أي مشروع عليه، فطفل المشرق لا يشبه في تشكله ومحيطه طفل المغرب، وعاداته وتقاليده و أعرافه وهويته العربية الإسلامية والتي لا تتطابق بأي شكل من الأشكال مع ما ينتج من فكر غربي معصرن ويزج به ليطالعه طفل المشرق، فينبهر به ويحاول أن يتعالق معه.
 
وهو ذات الأمر الذي يلقي على عاتق الكتاب والمبدعين والمفكرين العرب ثقل إعادة التفكر في صياغة قصص الأطفال وموضوعات التراث الإنساني بشكل يواكب ويتجانس مع تشكل الطفل العربي، ليعزز ويكرس القيمة التي من شأنها أن تفتح له آفاقاً للتعاملات و لأبواب الحوار والتلاقي مع الآخر، ومع المحيط، وبشكل يوافق أيضاً التطور والتعصرن المراد به  إنسان هذا الوقت، وبما يتيح له فرصة التعرف على نفسه وذاته، و حبّها، فالمعرفة؛ هي السبيل لتبديد المخاوف وفتح المجاهيل بأنوارها، خاصة و أن تراث منطقتنا العربية غزير بما لم يطرق بعد، وفيه من الصور ما يمكن أن يفوق خيالات الطفل وعوالمه ويشجعه على المشاركة في ابتكار جديده في الحياة.
 
والحقيقة أن الطفل ما زال يترنح بين عوالمه الافتراضية وبين واقعه المتموضع في بيئات تشكله الأولى، تلك التي شكلت صورته ونمط تفكيره البكر، إضافة إلى فضائه الإلكتروني الذي شكلّ حركة أصابعه ونظرات عينيه، ومسارات التفكير المرتحل في فضاء المتخيل لديه، حيث نجده اليوم مرتبطاً بالآلة لحد التوحد والالتحام، وما زالت صورته هجينة بالنسبة لذاته أو للمحيط، حيث لم تتطور بالشكل المراد لها أن تتطور في أطره، فهي لا تشبه الأصل ولا الصورة المرادة، كما أن الصورة التي تطالعه ويطالعها ويمتثل لتشكلها، هي في الأساس لا تعبر عنه، و إنما تعبر عن شكل افتراضي قد يكون لآخر بعيد لا تربطه به لا أعراف ولا عادات ولا تقاليد، صار لا بد من إعادة قراءة نموذج الطفل العربي وثقافته بشكل مخصوص في ظل كل التغيرات، والتحولات الفكرية والاجتماعية والسياسية، و أيضاً التحولات في نفسية الطفل إثر هذا التحول العام و إعادة النظر في القوالب المستوردة للتراث الإنساني والاعتماد على الذات العربية في تطوير منهجها لإعادة الصياغة بشكل يناسب واقعها ويتطلع للمستقبل.