ظلال المكان

05 فبراير, 2018

برهافة مطلقة.. وبانسيابية حنونة.. تترسخ في النفس ظلال الأماكن التي نعبرها والتي تلتصق بالذاكرة، وبعضها يبهت وينسرب إلى مخزون اللاوعي.. ونستوعبه بلا وعي في أحلامنا، وربما في لحظات تأمل نادرة يبرز المكان ذاك برائحته وإنسانيته وحيوية ما يحدث فيه حتى ولو كان صمتاً لا ندركه إلا بالتأمل، سحر المكان الذي يخلد فينا هو عطر هندسته الطبيعية أو البشرية، هو سحر المكان الذي يركن في زوايا الذاكرة والعقل، ليس فقط ممارستنا فيه، ولا البشر ساكنوه، الذين تعاملنا معهم، بل أيضاً هو رائحته، تاريخه، هندسته الآسرة، معالمه الراسخة فيه والتي تشكل وعينا به، وبحدوده وبأثره في المكان الإجمالي للمنطقة أو المدينة أو الدولة. كذلك خصوصيته التي ينفرد بها المكان، ويؤثر بتلك الخصيصة في البشر القاطنين فيه وحوله، دوره في التاريخ الإنساني من أسس وعبر ومرّ ورزح وشكل عمارته، وما دوره في تاريخ البشرية، هل كان معبراً لاحتلال مستعمر، هل كان فخاً لعدو، هل كان سنداً ضد العدو.. من مرّوا ومن سكنوا وشيدوا معنويات، هذا المكان.. وجعلوه قشيباً بهيّاً، فخراً لأهله عبر العصور.

ماذا عن الأماكن الخلوية والصحراوية والريفية والتي لن تجد فيها كثير عمارة بشرية، ولكنها ستسحرك وتأخذ بألبابك لجمالها الطبيعي وفتنتها التي تجعلك في الحال تتذكر صانع الكون سبحانه وتعالى.. لروعة الهندسة الممتدة عبر البصر البعيد، ألوان وأطياف وسماء مفتوحة زاخرة بما لا يمكن إدراكه.. وهذا المكان الممتد بلا نهاية يسكن الروح والنفس برهافة بلبل يغرد خصيصاً لك، وينشد لك أعذب ألحان النشوة والابتهال بمكان توفرت عليه أو فيه، لتحدق في كل شيء نشوانَ غير مدرك بالضبط لمدى سعادتك، ولماذا هذا الخدر الذي يسري بلا تدبير في حنايا الروح وأعماق النفس.

تأمّل مدناً بعينها.. تأمّل أحياءً بعينها في بعض المدن، وابحث عن سر سعادتك وفرحك وتوقدك حينما تقطنها أو تعبرها وتتوقف على شموخ الهندسة وروح الإنسان الذي أسس.. وعلى روح تلك الأماكن التي تشدك وتناديك وتسعد بك أيضاً، لأنك تؤنسها وتساهم بوجودك فيها بحيويتها.

ظلال الأماكن تحبو في أوصالنا وتكمن في أرواحنا وتظل كالجوهر المكنون فينا.

هل يمكنك الوثوق في الحياة دون مكان آسر؟

 

الرافد/ 246