سلطان... العاشق الأبدي للمسرح

25 أغسطس, 2015

قراءة سريعة لسيرة صاحب السمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تبرز مدى ولع سموه وولهه بالمسرح، منذ كان طفلاً وفتى يافعاً، واستمر عشق سموه لهذا الفن الجميل حيث انخرط عضوياً في العطاء الإبداعي فكان لسموه سلسلة من الأعمال المسرحية التي قيض لجمهور الإمارات العربية المتحدة مشاهدتها وكذلك توافرت فرص المشاهدة لأبناء من مصر، لبنان، تونس، رومانيا؛ حيث جالت فرقة مسرح الشارقة الوطني في تلك البلدان لتقديم روائع سلطان المسرحية، في الوقت الذي حرصت فيه فرق إنجليزية وجزائرية ومصرية على إخراج بعض النصوص برؤية مختلفة عما قدم في الشارقة من خلال المرحومين المخرج العراقي قاسم محمد والمخرج المصري د. أحمد عبد الحليم، والمخرج التونسي أطال الله بعمره المنصف السويسي.
 
وفي الوقت الذي اختارت فيه الهيئة العالمية للمسرح صاحب السمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي لإلقاء كلمة اليوم العالمي للمسرح عام 2007، أطلق سموه الشعار الخالد: «سيبقى المسرح ما بقيت الحياة»، وحين كُرِّمَ سموه من الهيئة العالمية للمسرح في الصين (بكين) قبل عامين، أعلن صاحب السمو أنه بعد طول عمر، وحين يسترد الله أمانته، فإن الرغبة لديه أن يكتب على الضريح: (كان عاشقاً للمسرح).
 
ومن واكب متابعة ومعايشة سموه إبان لقائه المسرحيين في الملتقيات المسرحية أو أيام الشارقة المسرحية، أو زيارات المسرحيين لسموه، محليين كانوا أم عرباً أم عالميين، يدرك مدى بهجة صاحب السمو بمثل تلك اللقاءات، ولن ندخل في تفاصيل مكرمات سموه للمسرحيين أفراداً وجماعات، جمعيات واتحادات وفرق، ودعم لمهرجانات وورش في أكثر من بلد من بلدان العالم النامي، إضافة لصندوق تكافل مسرحيي الإمارات.
فقد أعلن سموه أخيراً عن تأسيس صندوق الهيئة التكافلي بتمويل شخصي من سموه يعنى بمساعدة أعضاء الهيئة من المسرحيين لتجاوز ما يعيق الفنان من ظروف اجتماعية واقتصادية حتى يبدع في مجاله المسرحي، واستخراج طاقاته الإبداعية لخدمة هذا الفن الراقي، إضافة إلى مد يد العون لهم في حالة مرورهم بظروف صحية، هذا إذا تجاوزنا مكرمات سموه لإنشاء مكتبة للنصوص المسرحية العربية وجوائز التأليف المسرحي التي ينظمها كلٌّ من جمعية المسرحيين بدولة الإمارات العربية المتحدة، وإدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، والهيئة العربية للمسرح.
 
رغم كل ما تقدم دعونا نقرأ بجلاء وبدقة كلمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في افتتاح المهرجان السادس للمسرح العربي، حيث جاء في بعض منها: «إن المسرح قلب المدينة النابض وميدان رائع للتعبير عما تزخر به الحياة الاجتماعية من أذواق العصر والأفكار والطموحات الجديدة وإن الشارقة أولت المسرح عناية فائقة لإيمانها بأن المسرح مدرسة للإخلاق والحرية».
 
وأضاف سموه: «عندما ابتليت بلادنا العربية خلال السنتين الماضيتين بما يسمى «الربيع العربي» كانت الصحافة والمقالات النقدية والإشهار بالصور تضخم تلك الأحداث، وتعطيها صدى بعيداً، وقتها كان المسرح غائباً عن كل الأحداث، ويرجع السبب في ذلك للحكومات الثورية التي لم تسع إلى استخدام المسرح لتربية الرأي العام، لأن تلك الوسيلة قد استهلكت بسوء استغلالها، وأصبحت غير مجدية، فقد خمد شغف الجمهور بها، في الوقت الذي خدمت فيه مشاعر الجمهور الوطنية، وأصبح الجمهور يفضل بعض التلهيات، وهكذا حدث تحول من الطقوس الوطنية للمسرح إلى الهزليات التي تتناول الأخلاق والعادات».
 
ومما جاء في كلمة سموه: «واليوم، وقد تقرر أن تكون الشارقة مقراً لملتقيات مهرجان المسرح العربي، حيث تسمح للطلائع المختلفة من الفرق المسرحية بالالتقاء والتعارف على أرضها، حيث تختلط كل أنواع الفنون، فهي المدينة - المنارة؛ مركز الذوق الفني، مكان للتعبير عن المقاومة التي تبديها الأفكار التنويرية ضد الأفكار الظلامية».
 
وأوضح سموه أن أهمية المسرح في الشارقة ترجع إلى أنه يقع في ملتقى مشروعين كبيرين لنهضة ثقافية لتحقيق هدفين: احتفالي وتربوي؛ فالأعياد تمجد، مدة يوم، حدثاً تاريخياً قريباً أو بعيداً، أما المسرح، فإنه يعكس الاحتفال على هذا الهدف المزدوج بأحداث تاريخية؛ وأحداث وطنية، وتسليات وطنية، وارتجالات شعرية، ولوحات وطنية. وأردف سموه قائلاً: «كانت العناية بالمسرح في الشارقة فائقة، فقد كانت هناك الأعمال الفنية الحرة، التي تجمع بين الطبيعي، وبين الحيل والزخارف المسرحية، وقد تم تجديد اللعبة المسرحية، بجعل الإلقاء طبيعياً أكثر، والاهتمام بحقيقة الأزياء المسرحية».
 
كما قال في كلمته: «كان كل مكسب جديد في ميدان الفكر أو الذوق، أو كل خسارة في ميدان التخاذل والهوان، يجد ترجمته في حدث مسرحي؛ بالتعبير المباشر، أو جعل الحقيقة تعبر عن نفسها من خلال أقنعة القصة التاريخية». 
 
واختتم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كلمته موجهاً المسرحيين للنهوض بالمسرح قائلاً: «فيا أهل المسرح، تعالوا معنا، لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية».
 
مما تقدم يظهر جلياً أن صاحب السمو الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي، يؤمن إيماناً صادقاً وحقيقياً ويعمل بكل ما أوتي من قوة على تكريس «أن المسرح رسالة قبل أن يكون أبا الفنون».
 
إن نظرة فاحصة إلى واقع المسرح العربي يجعل المتابع لواقعه يصرخ بأعلى صوته للمسرحيين عامة وللمسرحيين العرب خاصة: أن التقطوا هذه الفرصة واستفيدوا مما يمنح لكم من دعم مادي ومعنوي، حتى تنهضوا بالمسرح لتأدية رسالته وللقيام بالدور التنويري المطلوب منكم لأنه بتعميمكم للحرية وبمنهجتكم لأخلاقيات مجتمعاتكم، تستطيعون ريادة أمتكم إلى المكان الذي تستحقه تحت شمس هذا العالم.
 
وافخروا كمسرحيين بأن لكم ذخراً في هذا العصر هو د. سلطان القاسمي العاشق الأبدي للمسرح.