الإنسان وتفاعلاته في سياق التحولات العالمية..

12 يوليو, 2015

تطورت نظرية التفاعلات الرمزية والتي كان من روادها جورج ميد، ارفيغ غوفمان، وهربرت بلومر، بتداخلاتها مع المنظور النفسي والفلسفي الذي هيمنت عليه تمثلات السلوك الإنساني وتأويلاتها والتحليل النفسي للوصول لمقاربة العلاقة المابينية والإنتاج المشترك للمعنى فكرياً.

وترى نظرية التفاعلات الرمزية أن الاتصال اللفظي وغير اللفظي بين الأشخاص يحددان المعنى الذي يعطونه للعالم المحيط بهم، ولعلاقاتهم بالأشخاص ولأدوارهم، وأن المعاني تُحور، وتُعدل، ويتم تداولها عبر عملية التأويل؛ بمعنى أن إدراك معنى الظواهر الذاتية والموضوعية ينبع بالضرورة من التأويل، كما أن المعاني هي نتاج للتفاعل الاجتماعي في المجتمع الإنساني محاطاً بما يعتري فكر البشر..

واهتمت النظرية بشكل جلي تعاظم مع تطور سياقات التشكل الإنساني بالبحث عن كيفية كسب الناس المعاني المشتركة من أجل التخاطب والتخاطر والتواصل وتحقيق المصالح المشتركة، من خلال ما يسمى بـ «الرمز الدال» الذي يمنح البشر القدرة على التأمل والتنبؤ بردود الأفعال، والاستعداد لها في الخيال، إضافة لما يتيحه من قدرة على النأي عن المحطات التي قد تسبب له تشوهاً في العلاقات أو اضطراباً في المصالح، التي يمكنه من خلال التنبؤ والاستعداد لخوض التجارب في فكره الإنساني الخاص من أجل التجنب أو التعلم وتجاوز الخطأ بالتجربة والتكرار.

تطور العالم المحيط بنا بسرعة فاقت كل التصورات، بحيث أصبحت الرموز الدالة أكثر تشعباً وأكثر تعقيداً، واختلطت برموز ترتبط بثقافات أخرى وتشكيلات ضمن سياقات مختلفة تماماً، وبعيدة عنا، ومن أجل التقارب والتواصل أصبح البشر يستحدثون تفاعلات ورموزاً دالة متجددة ومتطورة ومتشكلة مع التشكلات التي يخضع لها البشر من أجل التعايش والتكيف مع المحيط ومن أجل أن تؤول المصالح لنتاجات خادمة للبشر والتواصل الإنساني.

وبالرغم من أن نظرية التفاعلات الرمزية تتعارض مع المنظورات المهيمنة في علم الاجتماع كالوظيفية والثقافوية، ذلك أن الأساس الفلسفي للتفاعلات الرمزية يستند إلى رفض الحتمية البيولوجية والاجتماعية للأشخاص، وكذلك اعتبار المجتمع كتلة هُلاميه، لا تتدخل فيها الظواهرالمحيطة مثل: القوة والسيطرة والصراع والتغيير؛ إلا أنها سعت جاهدة من أجل التقارب الإنساني والتواصل وركزت على الإنسان وتفاعلاته بمعزل عن تأويلات المحيط، وفي تخصصها بالرموز كان لا بد من عتبة التواجد المجتمعي وإرهاصات تكوينه وتشكله، التي لها بالغ الأثر والتأثير في التفاعلات الرمزية بين البشر وفي تأويلاتها لربط العلاقات بشكل واضح يصير إلى تقارب رغم الاختلافات، وما نعيشه من لوثة عالمية اليوم هو صورة من صور ضياع الرموز الدالة والتي عاث بها المشكلون فساداً من كثرة التداخلات والتشعب والانزياحات نحو الفكر الغربي الذي لا يؤسس إلا لهجانة في التفاعلات الرمزية والرموز الدالة غير عابئ بالتشكلات الجديدة التي لا تنتمي لهوية ولا تندمج بمجتمع ولا تؤول إلا لضياع وتيه قادم لا محالة.