تونس تحتفي بمهرجان القيروان للشعر العربي السابع

25 ديسمبر, 2022



تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، شهدت مدينة قرطاج في العاصمة التونسية تونس، أمس الجمعة، انطلاق الدورة السابعة من مهرجان القيروان للشعر العربي، الذي تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة بمشاركة شعراء ومثقفين ونقاد تونسيين.



أقيم حفل الافتتاح في بيت الحكمة في قرطاج، بحضور سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، وسعادة راشد محمد المنصوري سفير دولة الإمارات لدى الجمهورية التونسية، والاستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، وممثل والي مدينة تونس المعتمد الأول لقرطاج  عز الدين الشابي، وهالة الورتاني رئيس بيت الحكمة، وكوكبة من الأدباء والأكاديميين والمهتمين بالشعر، بتغطية إعلامية محلية وعربية.



أدار فقرات الافتتاح الشاعر التونسي عبد المجيد فرحات، مرحّباً بالحضور بقصيدة أهداها إلى الشارقة، يقول فيها: ما إن قرطاجة التاريخ راوية، من قصة الماضي أزماناً وأزمانا/ جذلى وقد أشرقت شمس الألى وفدوا، من شاطئ الخان أحباباً وخلّانا/ في الفاية لمعت للشعر بارقة، وها هنا النص في قرطاج قد كانا/ إذا شدا الشعر في قرطاجة رجعت، أصداء شارقة مَتناً وعنوانا".



وفي بداية كلمتها، رحّبت مديرة بيت شعر القيروان الشاعرة جميلة الماجري بالحضور، مؤكدة أن مبادرة بيوت الشعر وغيرها الكثير من الفعاليات الثقافية على المستويين العربي والعالمي إنما تعبّر عن رعاية صاحب السمو حاكم الشارقة للمثقفين دون توقف، مشيرة إلى أنه "الأمر الذي يجعل بيت الشعر يحرص على أن يكون في مستوى الأمانة وهذا الحماس لتحقيق إشعاع أوسع في خدمة الحركة الثقافية في تونس".



وأكدت أن سموّه ما يزال يرعى مشروعه الحضاري دون توانٍ مادياً ومعنوياً، بمتابعة حثيثة من مخلصين لا يكلون من قطع المسافات لمشاركة شعراء الوطن العربي في بيوتهم للاحتفاء بالشعر والكلمة.



وأوضحت الماجري أن بيت شعر القيروان أصبح وجهة شعراء تونس والبلدان المجاورة والمثقفين العرب الذين يقصدونه كلما زاروا تونس في مناسبات ثقافية، وأبرزت أن دائرة الثقافة في الشارقة لها دور بارز في تشجيع عمل البيت من خلال نشر وطباعة الكتب في مختلف المجالات الأدبية.



واستعرضت جميلة الماجري أنشطة بيت الشعر خلال العام الحالي حيث بلغ 45 نشاطاً واستقبل أكثر من 140 مشاركاً، ولفتت أن المهرجان ثمرة عمل البيت في الانفتاح على مختلف التجارب ومشاركة الشعراء من أقصى الشمال المغربي وحتى جنوبه، وتمثيل أغلب ولايات البلاد.



وتابعت، قائلة: "سبع سنوات من تأسيس البيت في العام 2015  تمر على اطلاق سبع منارات ما فتئ نورها يعلو اشعاعه ويتسع ليضيء سماء الوطن العربي من خليجه إلى محيطه، وذلك هو حلم الشعراء العربي، هذا الحلم الذي نشأ في وجدانهم وجسّده صاحب السمو حاكم الشارقة، في تأسيس بيوت شعر في انجاز تاريخي غير مسبوق جعل المعادلة تتحقق ما بين السلطة والثقافة عندما يكون الحاكم مستنيراً".



وألقى عبد الله العويس كلمة أشار فيها إلى تعزيز أواصر الأخوّة العربية من خلال الفعاليات الثقافية، قائلاً: "يتجدد اللقاء في تونس الخضراء، وتتعزز أواصر الأخوّة العربية من خلال سلسلة الملتقيات والمهرجانات الثقافية المتنوعة، التي يعبّر حضورها المنتظم عن عمق العلاقات الاخوية بين دولة الامارات والجمهورية التونسية، تحت القيادة الرشيدة في البلدين".



وأضاف، قائلا: "إنه من دواعي السرور والاعتزاز، أن نشهد افتتاح الدورة السابعة من مهرجان القيروان للشعر العربي، فهو المهرجان الذي انطلق من بيته في القيروان، وعرفنا عطاءه ونشاطه الأدبي الثريّ خلال الأعوام الماضية، حتى انتقل بأنشطته إلى مدن عدة من البلاد التونسية، فها هي قرطاج تحتضن دورة هذا العام ليعم أريج الشعر عبق معانيه الأصيلة، وليجتمع الشعراء في بيت الحكمة وقاعة بلدية قرطاج، لينشدوا أشعارهم، ويمتعوا عشاق الحرف والكلمة والمعنى النبيل".



وأعرب رئيس دائرة الثقافة عن شكره، كما نقل تحيات صاحب السمو حاكم الشارقة، قائلاً: "يسعدني أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى ولاية تونس ووزارة الثقافة على جهودهما المخلصة لتنظيم هذه الدورة من المهرجان، واظهاره في أبهى حلّة، وأتشرف في هذه المناسبة، أن أنقل لكم تحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، وتمنياته لكم بالتوفيق".




"قراءات"



استهلت الجلسة الشعرية الأولى قراءات الدورة السابعة للمهرجان، وشارك فيها: محمد النجار، مبروك السياري، المولدي فروج، سلوى الرابحي، ومكي الهمامي.



من "حنين عابر" يبني محمد النجار جدار العمر من صدف المعنى، ورغم ضياع خطوات العمر إلّا أنها لا تقرّ بتيهها، يقول:"



تمرّ بنا الأيام فوق جيادها         فيعلو بأطراف السنين غبارها



نخط كتاب الليل بالدهشة التي         تراقص في أرض القصيدة بحرها



ونبني جدار العمر من صدف المعنى       ونبكي على أرض فتبكي حجارها



كأن أيادينا تهرول خلفنا           نحاذر أن يطغى علينا شرارها



كأن خطانا لا تقرّ بتيهها         وليس بدربٍ يستقر قرارها.



ويعبّر السيّاري عن مدى حبه لحبيبته حين يقول:



جَاءُوكِ مُذْ لَوَّحَتْ يُمْنَاكِ هَرْوَلَةً        وَكُنْتُ وَحْدِي مَعَ الأَشْوَاقِ أَسْتَبِقُ



أَجُرُّ دِهْلِيزَ أَيَّامِي إِلَى قَبَس                 كَأَنَّنِي عَتْمَةٌ فِي الضَّوْءِ تَنْزَلِقُ !



أَتَيْتُ فِي كُلِّ سِرْبٍ مِثْلَ زَقْزَقَة         وَحْدِي أَتَيْتُ  وَلَكِنْ وُزِّعَ العَلَقُ !



وَجْهِي مَرَايَا النُّبُوءَاتِ الّتِي وُئِدَتْ                وَلَهْفَتِي أَكَلَتْ مِنْ خُبْزِهَا الطُّرُقُ



وَنَازَعَتْنِي رِيَاحُ الشَّكِّ عَنْ هَدَفِي                    وَحَرَّقَتْنِي عَلَى أَعْتَابِكِ الحُرَقُ



وتجولت القراءات الأخرى في دورب وجدانية وإنسانية ووطنية، مستلهمة مجازاتها الساحرة من مشهديات الراهن وصور الماضي، واتكأت على مفردات الحنين والأمل والحب، حيث أظهرت القصائد دواخل الشعراء وما يكتنفهم من حب وعاطفة تنطلق منها أجمل العبارات الشعرية.




"تحولات القصيدة"



تواصلت فعاليات اليوم الأول من المهرجان في بيت الحكمة بتنظيم ندوة  نقدية حملت عنوان "تحولات الشعر التونسي الحديث"، وتحدث فيها د. منصف الوهايبي، ود. محمد الغزي، فيما قام د. حاتم الفطناسي بإدارة الجلسة.



وقدّم الواهبي ورقة بحثية بعنوان "تحولات القصيدة في تونس: الساكف والعتبة"، وتناول فيها طريقة الجمع بين شعراء تونسيين في كتاب واحد، متساءلاً "أيكون الجمع على أساس تصنيف هؤلاء الشعراء إلى أجيال أم على أساس الشكل والموضوع".



ويرى الوهايبي أن القصيدة لا تكون واحدة متى تملّيناها في أبعادها الزمنية سوى "قصائد" تشكل اللحظات الزمنية مجتمعة مختلف عناصرها ومكوناتها، موضحاً بما أن أي زمن يقع في كلية الزمن فالقصيدة الناشئة في زمن ما، لا يمكن إلّا أن تتواصل فيها سائر الأزمنة.



وأشار الغزي في ورقته البحثية "تحولات القصيدة التونسية" إلى أن مدونة الشعر التونسي الحديث تنطوي على شعريات كثيرة، تكشف، مجتمعة، عن تنوع الشعر وتعدده، وتصور، على وجه الخصوص، تردّده بين قديم لا يريد أن يختفي تماما ، وجديد لم يتمكن من الهيمنة على الساحة الشعرية هيمنة كاملة.



وقال ثمة في هذه المدونة قصائد بقيت مشدودة إلى التراث الشعري تسترفد أصوله وتعيد إنتاج عناصره، وفيها قصائد ثانية أرهفت السمع للحظة الراهنة، وسعت إلى تأسيس شكل جديد من الكتابة".



أعقب الندوة أمسية شعرية شارك فيها: محمد عمار شعابنية، ومكرم الصويعي، وفاطمة عكاشة، وعامر مجولي، وفوزي المنصوري، وحليمة بوعلاق.



وقرأت فاطمة عكاشة:



أرسـلـت ألــف قـصـيدة وشّـيتُها         لــكَ، ردّهــا أو أرســل الإعـجـابا!



يـا مـن تـدلّل صـورتي، وتطلّ من           بــيـن الـشـقوق مـقـنّعا مـرتـابا



يـا أيـها الليل جِـدْ لي مخرجا        إنّــي اكـتـويت بـلـفح قـلب ذابـا



هجر الحياة وما ترهَّب و احتمى         بـلباس الـدرويـش حـيـن أنـابـا



وتوالت القراءات الأخرى، وتنوعت في طرحها الإبداعي بين مواضيع شعرية عديدة.



وقام سعادة عبد الله العويس والاستاذ محمد القصير بتكريم المشاركين في أولى أيام المهرجان بتسليمهم شهادات تقديرية ودروعا تذكارية، تثميناً لجهودهم الفكرية وعطاءاتهم الإبداعية.




"إصدارات"



صاحب المهرجان معرض إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة وبيت الشعر في القيروان، ومن بينها: مجلة الشارقة الثقافية، ومجلة الرافد، ومجلة القوافي، ومجلة المسرح، وعدد من مؤلفات مثقفين تونسيين، وتمكن الحضور من اقتناء المجلات حيث اطلعوا على عناوين ثقافية تنوّعت بين المحلي الإماراتي، والعربي، والعالمي.




"وصلة موسيقية"



وسط أجواء تعبق برائحة الشعر، كانت الموسيقى الوجه الإبداعي الآخر المصاحب للقصيدة، حيث قدّمت الطفلة رتال الهاني موشحات أندلسية بمصاحبة موسيقية على آلتيِّ الكمان والعود.



وتفاعل الجمهور مع الهاني بينما كانت تؤدي قصيدة "جادك الغيث" وهي موشحة أندلسية من تأليف الشاعر لسان الدين ابن الخطيب.




"توثيق"



تابع الحضور شريطاً مصوراً يوثّق أهم محطات بيت الشعر في القيروان خلال السنة الحالية، وأظهرت المشاهد الحصاد السنوي للعام 2022 للبيت من خلال تنقل الفعاليات بين الأمسيات والندوات والجلسات الحوارية والفقرات الفنية، ليتمكن الجمهور من استكشاف العمل اليومي الذي لا يتوقف على مدى شهور داخل وخارج البيت".




"بيت الحكمة"



يعود تأسيس بيت الحكمة أو المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون إلى العام 1983، وأصبح منذ العام 1996 مؤسسة عمومية غير إدارية ومقرّه قرطاج. يهتم هذا المجمع أساسا بعلوم اللغة العربية وتطويرها، ومن الجدير ذكره أن البناء جرى تشييده في أواخر القرن التاسع عشر، وعُرِفَ آنذاك باسم "قصر زروق".