الخرطوم تحتفي بمهرجان الشعر العربي السادس

02 ديسمبر, 2022




القصائد تجاور الزهور في العاصمة السودانية



الخرطوم تحتفي بمهرجان الشعر العربي السادس



العويس: رسالة تنويرية وإبداعية تسطّرها بيوت الشعر العربية



الصديق: مبادرات الشارقة علامة تاريخية في الأدب الحديث



السودان- الخرطوم



تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، شهدت العاصمة السودانية الخرطوم انطلاق الدورة السادسة من مهرجان الشعر العربي، الذي تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة على مدار 3 أيام بمشاركة واسعة من شعراء وأدباء ومثقفين من السودان ودول عربية عدة.



أقيم حفل الافتتاح في قاعة التعليم العالي في العاصمة السودانية، بحضور سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، وسعادة حمد الجنيبي سفير دولة الإمارات لدى السودان، ومعالي محمد حسن دهب وزير التعليم العالي والبحث العلمي السوداني، وسعادة علي بن سليمان الدرمكي سفير سلطنة عُمان لدى السودان، وسعادة عمر المداوي سفير الجمهورية اليمنية في السودان،  وعدد من الديبلوماسيين والأكاديميين والطلاب والمهتمين في الكلمة.



استهلت الجولة الافتتاحية بافتتاح معرض يضم مجموعة من مطبوعات دائرة الثقافة في الشارقة، وكان من بينها: مجلة الشارقة الثقافية، ومجلة الرافد، ومجلة القوافي، ومجلة المسرح، ومجلة الشرقية والوسطى، بالإضافة إلى عدد من الإصدارات المتنوعة بين الشعر، والرواية، والقصة القصيرة، والنقد، وغيرها الكتب، وتمكن الحضور من اقتناء المجلات حيث اطلعوا على عناوين ثقافية متعددة، كما شاركت 10 دور نشر محلية بإصدارات تحمل عناوين ثقافية حيوية.



ويأتي مهرجان الشعر العربي في الخرطوم بالتزامن مع انطلاق فعاليات معرض زهور الخريف السنوي في العاصمة السودانية في دورته الثلاثين، لتتجاور القصيدة مع الزهور في مشهد إبداعي وجمالي يعكس صورة حضارية لافتة.



قدّمت حفل الافتتاح الشاعرة السودانية ابتهال تريتر، ورحّبت في بداية كلمتها بالحضور، مؤكدة الدور الريادي للشارقة في دعم الثقافة العربية عبر مبادراتها الريادية، والتي انبثق منها بيت شعر الخرطوم، مشيرة إلى أن البيت أصبح منصة للمبدعين السودانيين.



ورسم عدد من الشعراء والشاعرات لوحة شعرية لافتة امتزجت بين الموسيقى وقراءة قصائد لرموز من الشعر السوداني، ومنهم: الهادي آدم، ومحمد الفيتوري، والتجاني يوسف بشير، ومحمد المكي إبراهيم، وغيرهم من المبدعين الذين أثروا الساحة الثقافية السودانية والعربية بنتاج أدبي كبير.



ومما قرأ شعراء اللوحة مقاطع من قصيدة "أغداً ألقاك" للشاعر الراحل الهادي آدم، حيث يقول:



"هذه الدنيا كتابٌ أنت فيه الفكر



هذه الدنيا ليالٍ أنت فيها العمر



هذه الدنيا عيونٌ أنت فيها البصر



هذه الدنيا سماءٌ أنت فيها القمر



فارحم القلب الذي يصبو إليك



فغداً تملكه بين يديك".



وفي كلمته، تحدث مدير بيت الشعر الصديق عمر الصديق عن رعاية الشارقة للشعر، قائلاً: "ما كان لبيت الشعر في الخرطوم أن يظهر في الآفاق لولا هذه المبادرة التي أعدها أعظم علامة في تاريخ الأدب الحديث، أعني بهذه العلامة مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة، بإنشاء بيوت للشعر في الوطن العربي، فقد فعلت الشي الكثير في السودان، حيث طبعت للشعراء دواوينهم، وجعلت المبدعين ينشدون في منابر الشارقة".



وأضاف الصديق، قائلاً: "والشارقة كما تعلمون لها مكانة عالية في الثقافة، فالشاعر الذي ينشد شعره في الشارقة كأنه قرأ على كل منبر من منابر الشعر في العالم، وكذلك مما استقاه الشعراء من هذا الباب أن من بدأ شاعراً بفكرته الصغيرة، أصبح اليوم شاعراً كبيراً، وهذا كله ما كان له أن يكون لولا هذه المبادرة التي جمعت الناس وتناغمت فيها البيوت في أرجاء الوطن العربي كله، وإن بيت الشعر في الخرطوم على العهد بما عاهد به الناس منذ انشائه بإدارة حكيمة من دائرة الثقافة في الشارقة، وإننا نؤكد أننا تجاوزنا مرحلة النشاط العابر إلى المشروعات، فهذه هي جوهرة الشعر، وقد ظهر أول نتاجها واكتمل، وأعني بذلك معجم شعراء السودان الذي يعد أكبر معجم يحوي شعراء السودان منذ العهد السنّاري إلى يومنا هذا".



وألقى سعادة عبد الله بن محمد العويس كلمة قال فيها إن بيوت الشعر العربية تواصل أداء رسالتها التنويرية والإبداعية، مشيراً إلى أن البلاد العربية شهدت خلال الفترى الماضية حراكاً شعرياً متميزاً، احتشد له عشاق الكلمة والمعنى.



وأضاف العويس، قائلاً: "ها هو بيت الشعر في الخرطوم يستلم الراية الإبداعية من أقرانه ليكمل المسيرة الثقافية العربية، حيث يعقد مهرجانه السنوي ليتوّج نشاطه الثريّ، الذي انتظم خلال الأعوام الماضية".



وأبدى العويس سعادته بتجدد اللقاء في السودان، قائلاً: "إنه لمن دواعي السرور والاعتزاز أن يتجدد هذا اللقاء وسط إقبال شعراء وأدباء السودان والدول العربية ليشترك الجميع فرحة الشعر بالشعراء، ولينهلوا من معين الأدب العربي الخالد، ولينتقلوا بين بحوره وألحان أوزانه، وهو الوعد الذي قطعه بيت الشعر في الخرطوم على نفسه ليكون حاضنا للإبداع الشعري السوداني وأن يكون بحق "نبض النيلين".



وثمّن رئيس دائرة الثقافة تعاون المؤسسات الرسمية السودانية، كما نقل تحيات صاحب السمو حاكم الشارقة، قائلاً: "يسعدني في هذه المناسبة أن أتقدم بجيل الشكر والتقدير إلى جميع المؤسسات الرسمية والأهلية في السودان، على تعاونها الدائم مع بيت الشعر، انجاحا لمساعيه، كما أتشرف بأن أنقل لكم تحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتمنياته لكم بالتوفيق".




"قراءات شعرية"



شهد اليوم الأول من المهرجان قراءات شعرية لسبعة مبدعين سودانيين وعرب، وهم: عالم عباس نور، وحيدر العبد الله من السعودية، وسمية اليعقوبي من تونس، ومحمد المتيم من مصر، وأحمد اليمني، ومحمد الحبيب، وشريهان الطيب.



وقرأ العبد الله من قصيدة تحمل عنوان "في محل الخياطة"، حيث يسلم جسده، يقول:


سلّمتُه جسدي ليذرعَهُ


- ليذرعهُ أقول -


فلا تُقاس بوحدة الأقدام أرديةُ السحابْ



سلّمتُه جسدا من الأمواج



منسربًا



ومضطربًا



ومغتربًا



فكيف يلفُّني بشريطه



وأنا العُبابْ؟


طولي ثلاثة (أذرع مصرية)


أعني ثلاثة أذرع للثوب


والباقي لرأسي: راحتانِ وإصبعانِ


الراحتان: وسادتا خدّيّ في تعبي


والإصبعان: سِدادتا أذنيّ في صخبي


وباعي عرضُ صحراءٍ يضجُّ ربيعُها -


ليست يَبابْ



كُمّاكَ واسعتان، قال


فقلتُ: بل وسّعهُما


فهُما


لأيتام القطا المفزوع


نافذةٌ وبابْ.



واستعاد المتيم طفولته في قصيدته التي يقول فيها:



هُناكَ بالبابِ قامت امرأةٌ            تتبَّعُ الظلَّ حيثُ ينتَقِلُ



هُناكَ تحت الشُّجونِ مَرْقَدُ مَن           تشيبُ فيهِ التجارِبُ الأُوَلُ



هُناكَ حيثُ السُّنون غافلةٌ                  عن التي بالحنينِ تكتَحِلُ



- هناك هل تُذْرَفُ الدموعُ سُدًى؟!               هناك يا صاحِ تُذْرَفُ المُقَلُ



ماذا تُريدُ الحياةُ من وَلَدٍ                                    آتٍ إليها؛ وإثمُهُ الأملُ!





وقرأت اليعقوبي:




عَلَى جُفُونِي أقامَ اللَّيلُ موْطِنَهُ            وَسَوَّرَ العَينَ سُهْدٌ خِلْتُهُ كُحْلاَ



وَشَفَّ دَمْعِي إِلى أَنْ لاَ أَرَاهُ, هَمَى             ومَا عَلَيهِ \سِوى بالمِلْحِ\  قَدْ دُلَّا



 سليلةٌ دَمْعَتِي الأُولَى ومُذْ وُلِدَتْ                   أُحِيلَ جَفْنِي إذَا هزَّتْ ,لهَا نَخْلاَ



وتعددت المواضيع الشعرية في قصائد المشاركين الآخرين، بين الوطني والوجداني والاجتماعي، ولاقت اعجاب الجمهور الذي تفاعل.




"العباسي في قلب المهرجان"



تواصلت فعاليات مهرجان الشعر العربي في الخرطوم بزيارة أسرة الشاعر السوداني الراحل محمد سعيد العباسي (1880- 1963)، وهو مشهد ثقافي لافت ضمن أنشطة المهرجان، حيث يستعيد الأصوات السودانية الراحلة ضمن سلسلة زيارات ثقافية ووجدانية.



وفي بيت العباسي طرق مثقفون وشعراء باب الذاكرة حيث تجربة الشاعر الراحل الثرية ثقافياً، ومن هنا كانت البداية، في إفادة نقدية، مع مدير بيت الشعر الصديق عمر الصديق الذي سلّط الضوء على أبرز مراحل حياة الشاعر، كما تناول تجربته ضمن رؤية نقدية واسعة الطرح.



وأشار الصديق إلى أن العباسي نشأ بين مصر والسودان، وبدأ مشواره التعليمي بقراءة القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، موضحا أنه حفظ القرآن ودرس شيئا من العلوم الدينية وقواعد اللغة العربية.



وحول شعر العباسي، قال الصديق إذا صدح سُمعت موسيقاه، شعر يمتلئ باللغة والفصاحة، والمشهديات التي تصوّر لنا أصالة الحياة السودانية، موضحا" وهو الذي يتردد في قصائده المسؤولية تجاه المجتمع".



وقرأ الشاعر السوداني محجوب دياب مقاطع من قصائد للشاعر الراحل العباسي، ومنها، يقول:



حي الديار وسلها كيف أرداها         ريب الزمان بسهم تخطاها



وحي من قد ثووا فيها وقل لهم        يرعاكم الله بالسقيا ويرعاها



إن الليالي ذوات الغُدر راعية      ختّالة ونفوس الناس مرعاها



ما أصبحوا من مراميها على دَعَة       إلّا وأمسوا على خوف بمغزاها.