أعمال تذهب إلى ما وراء الخط في ملتقى الشارقة الحروفية.. لغة تعبيرية تبحث مفهوم الجمال المطلق

07 مايو, 2018

تتضمن مشاركات الدورة الثامنة لملتقى الشارقة للخط العربي «جوهر»، الكثير من اللوحات التي تنتسب لمفهوم «الحروفية»، والتي جسدت نتاجا باذخا يبرز جماليات فن الخط العربي الإسلامي، هذا الفن المكرس الذي يحتل موقعا بارزا في الفنون العالمية، بما يشتمل عليه من تكوينات وتراكيب وزخارف، وبنية إيقاعية، تشكل في مجموعها وحدة نظامية، ترتكز على قيم ثابتة، تستلهم مصادرها من روح الإسلام، وركيزته القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.
والحديث عن الحروفية بهذا المعنى، هو حديث ذو مرجعية دينية وتراثية قائمة على الفلسفة العربية الإسلامية.
صارت الحروفية بواسطة إبداعات الخطاط العربي والمسلم، جزءا من اللوحة التشكيلية في محاكاتها للمعاصرة، وصار الخطاط المسلم ملزما بهذه الروح وهو يخط مكونات اللوحة الحروفية، وحريصا على ألا يخرج عن منطق الفهم التراثي الإسلامي، الذي يصوغ رؤيته الجمالية، والقيمية انطلاقا من وحدة الكون، وصارت الخطوط في الثلث والنسخ والتعليق والرقعة والديواني والديواني الجلي، تشكل عند الخطاطين في لوحاتهم الحروفية مصدرا من مصادر التجديد وتطوير جماليات الخط العربي، بالاستناد إلى الحرف الذي هو أصلا يختزن مقومات جمالية. 
 
يقول الخطاط جمال نجا من لبنان: «إن الحرف العربي هو صورة شكلية تجانس الصورة المسموعة، وهي تحمل معاني فلسفية كثيرة، فإذا أخذنا الحرف من باب الهندسة، فقد تعرض لتعديلات وتطويرات كبرى عبر التاريخ الإسلامي قوامه النقطة، كما أن نسب الحروف ومقاساتها جاءت تعبر عن نظرة فلسفية وروحية إلى عالم الغيب وعالم الواقع».
وتبرز قوة الحرف الروحية في بعض المشاركات التي يحتضنها ملتقى الشارقة للخط العربي مثل: أكرم جاد الله، وتاج السر حسن من السودان، والطيب العامر، وجلال إبراهيم من سوريا، وبرودي نيونشواندر «بلجيكا»، وجميلة جوهر «الكويت»، وحجة الله رانجبار «إيران» و«حسام عبدالوهاب» مصر «و خالد حنيش، ومصعب الدوري من العراق، سالار أحمديان وعلاء إسماعيل من كندا، وفاطمة الحمادي «الإمارات»، ولولوة الحمود «السعودية» ومحمد سحنون ونجا المهداوي من تونس، ومحمد بن تركية «الجزائر»، وهانز كريستيان بيرج «فنلندا» وغيرهم الكثير، في هذه الأعمال نجد أن ثمة أسرارا لقوة الحرف نابعة من قدسية خاصة، تربط بين ما تشهده العين ويحس به العقل والوجدان ويعبر عن دلالات ورموز، ترتبط في مآلاتها بعوالم روحية لا حصر لها، وهو ما يؤكد أهمية انبثاق الخط من الحرف بوصف هذه الحروف تشكل لبنات أساسية في تكوينه - أي الخط- وكان لتشكيلات الحروفية في معظم الأسماء الواردة أعلاه ما يشي بمفهوم المعاصرة، حيث عوالم اللون والتركيب والزخارف والظل والنور ونسب الكتلة والفراغ والتكوين والتجريد وغير ذلك من العلامات ما يشكل نسقا جماليا، يضيف إلى فكرة ومفاهيم الجماليات المعاصرة الشيء الكثير.
صار الحرف على سطح اللوحة ملهما، ويجسد الكثير من الفضاءات التعبيرية، من واقع ما يراه أو يحس به الفنان العربي والمسلم، وعبر مسيرة الخط التي بدأت على سطح تقليدي، تبرز مهارات الخطاط في تجويد عمله، ملتزما بالشروط والمعايير التي تحددها تقنيات الخط بالنسبة إلى نوعه في الثلث أو النسخ أو الديواني أو غيره، وها هو ينتقل إلى فضاء أكثر رحابة، مستلهما روح الإبداع، فصارت علامات التميز ليست مقتصرة على كتابة الخط التقليدي فقط، بل تجاوزت ذلك إلى مرحلة أخرى، تقرأ ماهية النصوص وأبعادها الفلسفية والتأملية، انطلاقا من قلق الفنان، وبحثه المستمر عن هويته وخصوصيته وجذرها العربي والإسلامي.
اللافت في الأعمال المشاركة في ملتقى الخط، اشتمالها على خامات فنية متنوعة مزجت بين وسائلها التقليدية، كاستخدام الخط أو الحرف على سطح الورقة، وبين الوسائل الحديثة كاستخدامات مساقط الضوء والظلال، والميل إلى تشكيل منحوتات مدهشة، سواء على المعدن أو الخشب، وغير ذلك، وهو ما يوفر أرضية ومنطلقا لحوار ثقافي جاد، ولقد أصبح الخطاط اليوم، وهو يمزج بين الخط والتشكيل واللون والزخرفة والنحت والتراكيب المختلفة على مستوى الخامات والأدوات، أكثر قدرة على الإبداع، من دون أن يراوده أي شك في استيعاب جماليات وفنون العالم، وصار أكثر فهما في التعاطي مع ذائقة بصرية، قابلة لتعدد القراءات والدلالات انطلاقا من نثر الحرف على سطح اللوحة، ليخرج ممهوراً بمكونات جديدة تضيف لرصيد الخط العربي.
تضيء التجربة الحروفية في الملتقى، على أساليب متنوعة تبعا لكل خط وقدرته على التعبير، فثمة الكثير من الخطوط والتقاطعات والاستخدامات التي تعكس حرفية عالية في إنجازها، سواء لوظيفتها الهندسية أو الزخرفية. 
وقد حضر النص القرآني، والحديث الشريف، والحكمة، والمثل، كذلك الأبيات الشعرية، جنبا إلى جنب مع صياغات حروفية تستلهم كثيرا من حيوية الأثر البصري للفن الإسلامي.
الفهم الجمالي المعاصر في اللوحة الحروفية المعاصرة، يتكئ على التراث الإسلامي ورموزه ودلالاته، ولا ينفك يبحث عن الجمال المطلق، بلغة تعبيرية أساسها الحرف العربي، وطاقته الروحية الهائلة، ما يثيره في وجدان المشاهد من لغة ومشهدية تبث مجموعة من الرسائل وتصوغ حروفيات من عمق الأثر والجوهر السابح في ملكوت الوجود.