لغة الجمال بين الشرق والغرب

17 ديسمبر, 2017

 
تستهل الشعوب توطيد علاقاتها وسبل التواصل طويل الأمد فيما بينها، باكتشاف ثقافات بعضها بشكل عميق، ومغاير لما هي عليه العلاقات في المجالات الأخرى والتي تبنى إما وفقاً للمصالح المحضة أو بتأثير المواقف الاستراتيجية الراهنة لسياسات الدول، فالثقافات لدى الشعوب تعتبر الوجه الحقيقي لها، ناهيك عن أنها النبض الواقعي للمجتمع حيوياً كان أم هامشياً بين سواه من المجتمعات، من هنا فإننا ننظر للثقافة بكل أطرافها مكوناً أساسياً لمجتمعنا بل الركن الرئيسي في نشاطنا الحضاري والإنساني، وهو من يقدمنا للآخر، كما أن ثقافة الآخر هي السر في انجذابنا إليه حينما تكون فاعلة وإيجابية.
في ثقافاتنا المحلية فإن الفنون على اختلاف أنواعها، حققت حضوراً فاعلاً ومثلت خير تمثيل ثقافة مجتمعنا التي تتضمن قيماً عديدة على مستوى الأخلاق والتنوير وكل الجوانب الإبداعية والفكرية، لتشكل عماد الحضارة التي يعيش في رغدها المجتمع في دولتنا المباركة، كما تشكل أيضاً الرافد الفاعل في الحضارة الإنسانية.
ونحن في مهرجان الفنون الإسلامية الذي تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة، والذي مضى على انطلاقته الأولى عقدان من الزمن، برعاية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، نرى أن مسألة الحوار الإنساني بين الشعوب تقع في مقدمة رسالتنا الثقافية، وأن مادة هذا الحوار في خطابنا مع الآخر تكمن في القيم التي تتضمنها الفنون الإسلامية، شكلاً ومضمونًا، من هنا بدأنا نعرض هذه الفنون ونسلط الضوء على مضامينها وخفاياها، مبادئها وأنواعها، جمالياتها وتأثيراتها، فضلاً عن المؤثرات التي لحقت بها فأضافت إليها، لنشهد بعد كل ذلك ما يمكن أن نعتبره الانعطافة التي رسمت المسار الحالي للمهرجان، واليوم.. يتمتع المهرجان اعتماداً على المراحل الأولى (بداياته) بحضور دولي لافت إثر الوجود الفاعل له والذي يجذبنا إلى أبرز التجارب الفنية الدولية العربية والأجنبية - ضمن مقاربات المنجز العالمي- لتكون هذه التجارب جزءاً من نشاطه وفق ملامح دوراته وأهدافها في إحداث الأثر لدى المتلقي كيفما كانت ثقافته، شرقية أم غربية. 
يقوم مهرجان الفنون الإسلامية بدور فعال في التعريف بهذه الفنون التي تعكس بجلاء الحضارة العربية والإسلامية من زاوية جمالية يقرأها الجميع، كذلك يقوم هذا الحدث الفني الذي بات دولياً بالكشف عن انجذاب الذائقة لدى المجتمعات المختلفة بما فيها غير المسلمة إلى الفنون الإسلامية، والجدير ذكره أن أغلبية التجارب الفنية التي تعرض في المهرجان والتي تمثل الاتجاهات المعاصرة في التشكيل العالمي، تعود لفنانين من أنحاء عالمية متعددة، من مختلف القارات، تجذبهم العناصر البصرية والمبادئ الجمالية للفنون الإسلامية إلى المشاركة بشكل فعال، وبالطبع فإن المشاركات العربية على مدى دورات المهرجان تعكس الواقع التشكيلي في البلدان العربية بشكل واضح كما تكشف شغف المشاركين العرب بالفن الإسلامي كونهم على احتكاك مباشر به ومعايشة يومية له.
تحدثنا فيما سبق أثناء المؤتمر الصحفي للمهرجان قبيل انعقاد دورته الحالية بنسختها العشرين، بحضور وسائل الإعلام المختلفة، بشكل مستفيض وبالأرقام حول محتوى المهرجان وفعالياته التي بلغت ٢٧٠ فعالية من بينها ٤٤ معرضاً فنياً.
ولابد لنا هنا من التوقف عند بعض النقاط البارزة، فقد اتخذنا من مفهوم (أثر) شعاراً لهذه الدورة وذلك وقوفاً عند الأثر الذي تحدثه الفنون الإسلامية فنياً وفكرياً على امتداد العالم واستحضار هذا الأثر من خلال أعمال الفنانين عبر المنجز البصري المعاصر، وفيما يخص التنظيم فإننا نحرص دائماً على تحقيق مبدأ التشاركية والتعاون لإنجاز الحدث، ولهذا نتعاون مع العديد من الجهات في الشارقة، ولهذا التعاون آثاره التي تغني الحدث، وهذا ما تؤكده المعارض الخارجية فضلاً عن الورش الفنية، فمن المعارض ما يعرض في مسرح المجاز والواجهة المائية والقصباء، وهذا يفضي إلى مزيد من التفاعلية بين المجتمع والفن عموماً.
وكما هو معتاد فإن معظم الأعمال الفنية تعرض في متحف الشارقة للفنون، كما أن ساحة الخط تحتفي أيضاً ببعض المعارض في الخط الأصيل والمعاصر، وفي الجانب النظري يتخلل المهرجان العديد من المحاضرات إضافة للقاء الفني المفتوح والذي يتم من خلاله الحديث حول الأعمال الفنية وحول القضايا التشكيلية الراهنة عبر حوار مباشر بين الفنانين والجمهور، وذلك على مدى يومين. كما أن المهرجان يحتفي كعادته بالعديد من المتابعين ممن توفدهم الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية المختلفة حرصاً منها على متابعة المهرجان الذي يحظى بمكانته الدولية المهمة، وأثناء الدورة الحالية يسرنا حضور ١٧٠ ضيفاً من إعلاميين ونقاد، فضلاً عن الفنانين المشاركين ومساعديهم.
يؤكد المهرجان مدى دوراته المتعاقبة، أهمية الفنون الإسلامية وقدرتها على الحضور المتجدد، اعتماداً على حيويتها ومحاكاتها لتطلعات المجتمع في معايشة فنون بصرية ترتقي بالذائقة الجمالية، وتعكس الثقافة التي تفيض بمحتواها ثراء ورفداً، على المستوى الإنساني والمعرفي، ليس في منطقتنا فحسب وإنما على مستوى العالم.