عالم الكتاب..

06 نوفمبر, 2017

 
«عالم في كتاب» شعار جديد لمعرض الشارقة الدولي للكتاب يختصر ما آلت إليه أوضاع القراء وصناعة الكتاب، وما توصل إليه خيال المبدع وما تفتق عن أفكار المثقفين وتأملات الموهوبين، فالكتاب اليوم عالم المعارف والبيانات والمعلومات والصور، وعالم لتصوير الواقع والمحتمل، وعالم من الافتراضات والاحتمالات للقادم والمستقبل، وعالم يتضمن عوالم الفكر الإنساني وقدراته على التشكل والتصور والتموقع في مختلف ظروف الزمان والمكان. 
 
عالم.. يختزل الصورة والمعنى، ويطوف بعقل القارئ في فضاءات يعجز عن الوصول إليها؛ إلا من خلال تأويل الكلمة وتصريف الفضاء المنبعث من حيث تكوين الحرف وتصوير المعنى وتفسير المنطق لظروف تشكلها وتموقعها في كتاب العالم وعالم الكتاب.
 
معرض الشارقة للكتاب تفوّق على فكرة التجديد فانطلق من حيث يمكن أن يكون في قلب الواقع والمستقبل المأمول، فعالم الكتاب اليوم متسع ومشاع ومتشعب، ويصعب القبض عليه للفحص أو للتقييم في الوقت الراهن والمرتبط بالتقنية والتكنولوجيا والترقيم، وإنما هي تجربة الإنسان في خوض هذه العوالم المشاعة والتي تفسح له فرصاً وتتيح له أخرى، من أجل التجريب، ومن أجل الإدهاش والاكتشاف والمتعة والتنوير، دون وضع حدود للعالم وحواجز للاطلاع والاكتشاف والتعرف، ودون قيود للحرية. 
 
إن الفرص التي يتيحها الكتاب المقروء سواء عبر صفحات الويب أو عبر صفحات الورق ودفتي الكتاب إنما هي الفسحة الحقيقية للروح والعقل والحواس للتمتع بالمعارف وولوج عوالم الخيال والتموضع في المكان الذي تجد فيه الذات حقيقتها، فتنداح عن الإكراهات المحيطة وتلتئم بما يشبع رغباتها في المعرفة والمتعة. 
 
 مشروع الشارقة الثقافي ريادي في عمليته التنويرية، يعتبر مشروعاً متكاملاً، فيه الإنسان وقيمة التعاطي مع الفكر ومع المكنونات التي من شأنها أن تشكل شخصيته وعوالمه الفكرية والإبداعية، وتتماهى مع هويته التي لا تنفك تسبغ عبقها على مجمل ملامح إبداعاته فتحيلها لوحة جمال تتسق فيها المعاني والعِبر مع الصورة والفِكر، سواء في صورته كإنسان أو صورة الكتاب الذي يحمله ويتشكل به ومعه. 
 
الهوية العربية والإسلامية والوطنية، هوية الكاتب والمبدع، هوية الإنسان، تلك التي يحاول تشويهها العابثون بأوهام وضلالات تقود الجاهل نحو هاوية لا يدركها إلا بعد حين، إلا أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة؛ وفي كل محفل ومناسبة، يؤكد على أنه سيظل مرشداً نحو الحق والفضيلة، وسيسعى لإيقاد الشموع في طرق الضلال والإيهام، وقد دعا سموه المثقفين وحملة الأقلام من الكتّاب والإعلاميين ضمن كلمته في حفل افتتاح إحدى دورات المعرض السابقة إلى أن يشاركوا بأفكارهم وحديثهم ويساهموا في تنوير البشرية من خلال الثقافة عامة، وأن لا يتواروا، وأن يكون لكلمتهم وفكرهم الأثر (لأن العقول إذا جاعت تأكل عفونة أفكارها).
 
الهوية الثقافية التي نتلمسها في كل فعل ثقافي في الشارقة كمركز للثقافة العربية والإسلامية؛ باتت نبضاً في أوردة الحراك الثقافي العربي، الذي يراد به خير المشهد بشكل عام والارتقاء به وبمكوناته (المبدع - الكاتب - الفنان - المسرحي- الشاعر)، وما الشعر والفنون والتراث الإنساني إلا صورة تجلّت بألقها في سياق ترجمان الهوية النابضة والثقافة السائدة في المجتمع ونشاطاته وإنتاجه الأدبي، تنفيذاً لرؤية صاحب السمو حاكم الشارقة، بالتركيز على الأصالة والتأصيل وتكريس ذلك مشهداً لصورة الإنسان في المنطقة، ومعاضدة السواعد الواهبة والملهمة، والأقلام الخصبة التي لا ينضب يراعها في إنتاج عوالم الكتب التي هي شعار المعرض اليوم، والتي يمكن أن تنتج بدورها عوالم تتجدد مع تجدد التشكلات الإنسانية وفق معطيات العصر، ووفق ما يحتاج إليه الإنسان في مختلف الظروف والأحوال.
 
قد نحتاج إلى ثورة في المكان والزمان والحس الإنساني، لنواكب ثورة التقدم والتحضر والتمدن ونساير الثقافة العالمية وننتج عوالم للكتاب لا يشوبها فيض من قيظ الواقع المرير، ولهيب المشاحنات التي لا تلبث أن تهدأ حتى تعود للاشتعال، نحتاج للوعي مقروناً بالثقافة، ولمبدعين يحيلون الكتاب بين أيدينا إلى عالم حقيقي مرتبط بواقعنا ملون بأَنفتنا، ومزدان بما يخدم مسيرتنا الإنسانية وتطلعاتنا الثقافية. 
 
المعرض قادر على إحداث هذه الثورة، فهو التظاهرة البارزة في الشارقة والتي يمتد أثرها على خارطة الوطن العربي وعلى العالم من خلال ما يحققه المعرض من أثر فكري ومنتوج ثقافي وتطلعات لصناعة كتاب يحاكي عوالم الإنسان في كل زمان.