الشارقة والتوسع الثقافي

01 أكتوبر, 2017

 
 
الراهن يحتم علينا التفكير بشكل بانورامي لافت ومفارقاتي، بحيث نرى الأمور من أكثر من جهة وبوصفها احتمالاً قائماً وتداعياً محتملاً، ونبصر العمق المنغرز في واقع التجربة الثقافية الإماراتية الراهنة، ومدى انفتاحها على فضاءات الثقافة العالمية وانزياح الأخرى على الثقافة العربية وتداعيات ظلالها التي تشعبت وغدت في تكامل مشهدي متوازٍ مع الصورة ومتكامل معها.
الثقافة والتوسع المراد في الشارقة بعد أكثر من عقدين من الزمن يراد به الإنسان وتطلعاته، ويراد به ما يتماشى مع الراهن من أوضاع سياسية واقتصادية، وما تراكم من إرث ثقافي وفكري عزز التجربة، وعمّق آفاقها وتجلياتها وتماهى مع رؤاها.
 
 إن الإنسان في هذه المنطقة تشكَّل بمفارقة غريبة وعصية في الآن ذاته، فهو ابن المكان بامتياز ومظاهر البيئة ظاهرة وجلية على كل تفاصيله، ومنفتح بفكره وتطلعاته وآرائه على الآخر الذي هو في تماس حقيقي وآني معه إثر الانفتاح العالمي ومواعينه التقنية والتكنولوجية فائقة التطور والسرعة، هذا التشكل مَوضع الفِكر في آلية التحكم اللا ذاتي، بل المشترك بين الذات والآخر، كما هو التشكل الخارجي والمصطبغ بلون الغرب والشرق في تمازج عالمي متفرد.
 
الأنشطة والفعاليات الثقافية هي المعول الحقيقي للتوسع الثقافي أفقياً، وحين يكون الإنسان هو المادة الأساسية والمحركة لهذه المعاول والآليات يكون التوسع إنسانياً يفضي للتنوير والانفتاح والشمولية التي يراد بها تبديد الظلام وتحقيق العدالة والمساواة. 
 
التنوير وإعادة الأمور إلى سياقاتها التي تنبثق منها إشعاعات الضياء، أي أنها تشع ذاتياً لأن مولداتها مشبعة بالوقود، والثقافة هي الوقود الحقيقي للبدء والتحرك والاشتغال، وقد عملت الشارقة على شحن المولدات وتمكين القدرات الفكرية ثقافياً وتعزيز الطاقات والمكامن البشرية بفتائل النور الوضاءة التي يعول عليها للقادم، من خلال ما زرعته الشارقة في أراضي الفكر البكر، ومنذ البدايات من وضوح في الرؤية والمنهج المضطلع على فعل القراءة والكتابة والاطلاع على المعارف وتنوع الفنون والعلوم. 
إن الخبرات العالمية والتقارب والانفتاح على الآخر وسع مدارك إنسان المنطقة وجعل في مقدوره التنبؤ والاستنباط ومقاربة المثل، ولدينا الكثير من الشواهد في الشارقة والتي باتت علامات فارقة مثل معرض الشارقة للكتاب وبيناليات الخط والفنون التشكيلية، إضافة إلى منتديات الاتصال والتواصل ومؤتمرات التقارب الفكري واستراتيجيات البناء والتطوير والأيام التراثية والمسرحية؛ هذا التأسي ومقاربة التجارب والبناء عليها بما يتناسب مع طبيعة البيئة ونشأتها مع مراعاة الراهن من أوضاع ساهم بشكل واضح وثري في تشكل الإنسان وثقافته. 
المشهد الثقافي في إمارة الشارقة يموج بالفعل المستنير، ويجوب العالم حاملاً معه أطياف الفكر والثقافة العربية من مسرح وفنون وتراث وشعر وكتاب، يشارك القاصي والداني جلّ اهتماماته وتطلعاته، ويستشرف القادم في عصر الثقافة من خلال ما توصل إليه من تراكم وإرث ثقافي وفكري تمثل في آلاف الإصدارات ومثلها الفعاليات والأنشطة، وكذلك العروض المسرحية التي شكلت رأي الجمهور وتشكلت من الواقع المعاش فكانت الأثر والدليل للقادم في مسرح معاصر رصين، وآلاف الضيوف من المثقفين والمفكرين والتاريخيين والآثاريين والفنانين الذين أبهروا بفكرهم وتركوا بصماتهم واضحة في معالم هذه المدينة الفاضلة.
 
الشارقة في مشروعها الثقافي وتطلعات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة للتوسع فيه محلياً وعربياً، إنما هو رهان متجدد في ظل الظروف الراهنة، وتحدٍّ واضح لقدرة الثقافة على تغيير هذا الراهن المعتم نحو النور والضياء، وتغير مسارات الكراهية والضلال للسلام والأمان والهدى، فبالثقافة وحدها تشذيب وتهذيب، وبها يصير الإنسان ذا رفعة وعلو وشأن، وهي تلقي بظلالها على الكائن والمكان وتغير وجه الأزمان. 
الثقافة في توسعها امتطاء لسماء ثامنة وغوص في بحورٍ شاسعة، ورهان وتحدٍّ، في زمن مفارقاتي ولإنسان استثنائي في كل أحواله وأدواره، فالطفل الذي نخاطب اليوم غير الطفل الذي كنا نخاطب بالأمس وكذلك الشاب، وللمرأة لغة خاصة ومنهج متفرد، وللرجل أيضاً وللمثقف منهم مسار ومنهج قد يتغير في الآن واللحظة بمصطلح وأيديولوجيا وترتيبات مفاهيمية حداثوية وما بعد ذلك، ولكل هذه الفئات وغيرها مشروع ثقافي يحفر في الصخر من أجل جريان الماء.. من أجل الحياة.