مدارات عمر الخيام عالم من التساؤلات والحيرة والطمأنينة

12 يوليو, 2015

آخر ترجمة عربية لرباعيات عمر الخيام كانت للشاعر الاماراتي محمد صالج القرق، حيث بدت العلاقة بين الخيام والقرق مؤسسة على مجاورة مفاهيمية ذوقية استمرت  عقوداً من الزمن،.. تلك المجاورة المفاهيمية الوجدانية أفضت إلى انخطاف مؤكد، وعشق مستديم، وإقامة دائمة في مرابع الخيام الشاعر والفيلسوف.. المفكر والرياضي والفلكي ... الخيام، المحتار والرائي .. السائر في دروب التيه الكبير والأجوبة الصاعقة .. المتأبِّي على التسليم بنواميس القدر الأهوج .. والباحث عن طمأنينته الخاصة.
 
هذه الحالة الهيامية ترافقت مع أيام المترجم ولياليه، فمنذ أن عرف الخيام قبل عقود طويلة من الزمن ظل ممسكاً بجمرات محارقه، سابحاً في فيوضات شطآنه، ومُتنكّباً مشقة استجلائه، حتى كاد أن يتماهى معه تماهياً إيجابياً استنطاقياً، ومحايثاً لرؤية الخيام ونظرته للوجود والما وراء.
 
الشاهد أن محمد القرق تابع إيقاع الخيام من خلال قراءات متوازية جمعت بين العربية والفارسية والإنجليزية، وبعد حين من الدهر وجد نفسه في حال إقامة دائمة في مرابع الخيام، حتى أصبح شغوفاً بتتبع آثاره أينما وُجدت، وكان من الطبيعي والأمر كذلك أن تصل الأمور إلى غاياتها الحتمية استناداً إلى قوانين التاريخ والطبيعة، فجاء الإنجاز ترجمة ضافية لحوالي مائتي رباعية، وإصداراً فريداً يضع المترجم في عداد المتميزين في ترجمة عمر الخيام عربياً وعالمياً مما سنأتي عليه تباعاً وتوضيحاً .
 
بدت ترجمة القرق رشيقة ومواتية، فيما تماهت مع النص الخيامي لتبقي على المعنى الذي لا يفارق مقتضيات الشعر والشعرية، وبهذا فاضت قريحته المترجمة بروحية الخيام.
 
***
 
تتبعتُ العلاقة بين الخيام وآخر مترجمي رباعياته من العرب، ووقعتُ على تجليات هذه العلاقة من خلال المكتبة العامرة للمترجم والتي تزخر بكل شاردة وواردة عن عمر الخيام، وبكل اللغات التي تُرجم إليها، أو كتب عنه بها، فقد تجاوزت مقتنيات المكتبة حالة العرض المقرون بالعرفان حتى تخوم الدلالة، لتصل إلى اقتناء كل ما يمت بصلة للخيام كما لو أن " القرق " يقتني أيقونات فنية تنطق بموسيقاها الخاصة وتقدم معادلاتها البصرية التشكيلية الجميلة، فلم يُعوّل على اللغات التي يقراْ بها      " العربية / الفارسية / الإنجليزية " بل اقتنى رباعيات الخيام وما كُتب عن الخيام بكل لغة عثر فيها على أصل لكتاب يهتم بالخيام!! وتلك حالة من العشق المنخطف بالمعاني والدلالات، ومُقدمة كبيرة للقفزة النوعية التي جاءت بعد سنوات طوال، فترجمة الخيام من جانبه لم تتم خلال عام أو عامين، بل على مدى عقد ونيف من الامتلاء الذوقي والمعرفي بنصوصه، وبهذا المعنى صاغ نصوص الخيام متآلفاً معها، وبترجمة لا تخلّ بالمعنى ولا المبنى، وتلك واحدة من أشياء الحرص الشديد في الترجمة. ولأنه كان حريصاً على عدم تجويز التجاوز الفني لدلالة الأصل، فقد كان عليه أن يتمثّل النص الأصلي تمثلاً كُليانياً كما لو أنه تُرجمان للخيام وليس مترجماً له، ثم يعيد إنتاجه واضعاً نصب عينيه الإبقاء على المحتوى الأصلي، وهكذا جمع الحُسنيين .. الترجمة الرشيقة.. والإبقاء على الدلالة دون تجويز مُخلٍّ كما فعل بعض المترجمين.
 
 
***
 
إذا أردتُ تحديد معالم العلاقة بين رباعيات الخيام وترجمة القرق فإنني سأوجزها في النقاط التالية :
 
القراءة المتتالية المديدة للرباعيات باللغات العربية والفارسية والإنجليزية أفضت إلى تعايش الخوارزميات الذهنية التي تتصادم حينما تكون مُجيّرة على لغات مختلفة .. تتباعد وتتقارب بهذا القدر أو ذاك. فإذا كانت الفارسية تلتبس خوارزمياً بالعربية وفي أُفق ما، فإن الإنجليزية مُغايرة تماماً في بنيتها النحوية والصرفية والصوتية، الأمر الذي يجعل التناغم بين اللغات الثلاث    " العربية / الفارسية / الإنجليزية " أمراً في غاية العسر، ولهذا كان على المترجم أن يردم الهوة مرتين .. مرة للتقارب التناغمي بين العربية والفارسية مما يجعل مناطق التماس الصوتي والصرفي بين اللغتين دقيقة وحساسة، وأُخرى للتباعد التناغمي بين العربية والإنجليزية وهو ما يتطلب فصلاً إجرائياً بين بنيتي العربية والإنجليزية بالمعاني الصوتية والصرفية والنحوية.
 
ما كان للمترجم أن يفعل ذلك دون أن يرتوي من الينابيع الثلاثة، ويتداعى مع مقتضياتها الفنية والدلالية، وصولاً إلى تليين العُسر وتحويله إلى يُسر والإبحار تالياً في الترجمة.
 
السياق الزمني للترجمة كان مفتوحاً على تداعيات واستعادات وتمتين، وكانت المتوالية تجري على نحو لا يكتمل، وفي آن واحد توق للكمال، ولهذا السبب تأنَّى " القرق " كثيراً في إطلاق ترجمته حتى أن أقرب المقربين له اعتقدوا بأنه يُلوّح بأمر ما غير قابل للتحقيق، لأنه يتردد دونما حد وحدود، وهذا ما كان، فقد ظل يراجع المخطوطات مرة تلو الأخرى، ويتابع تسطيرها بالخط العربي مراراً وتكراراً، ويتخلّى عن البروفات برغم الأكلاف والزمن الضائع، ويذهب بعيداً في التردد إزاء المعالجات الإخراجية المختلفة، مُتجشماً عناء متابعات مضنية لم تأت بمردودها إلا بعد حين، غير أن الحصاد كان مُجزياً والترجمة حصيفة. 
 
***
 
استمر آخر مترجمي رباعيات الخيام في تردده حتى كدنا نيأس نحن  العارفين بمشروعه، فإذا بنا نفاجأ بقراره الذي لم نحتسب له، والمفاجأة الأكبر كانت في الثمرة الناضجة التي وصلت بعد زمن وتحضير وإمعان في المراجعة والتدقيق وحسن الاختيار. يمكنني الآن أن أسمي ترجمته للخيام مشروع عمره بحق.
 
اليوم وبعد الثمرة الناجزة نستطيع استيعاب تقديمه للمنجز بنص لعماد الأصفهاني قال فيه : "إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النُقص على جُملة البشر".
 
لكن الترجمة الماثلة أمامنا تشي بما يليها، ففي الطريق استتباعات مؤكدة، فما نراه بين دفتي هذه الترجمة الضافية المُعمّدة بأصول فارسية وإنجليزية وفرنسية ليس إلا رأس جبل الجليد، ففي الطريق كتاب " المقارنات "، وهو ثمرة أخرى من ثمار اشتغال القرق المديد على الخيام، ففي كتاب المقارنات نصوص الترجمات العربية للخيام، وسيرى القارئ الفوارق بين الترجمات المختلفة، وله أن يُسافر بعيداً في استنطاق ذائقته الشعرية الأدبية، ومعرفته بالخيام حتى يلحظ الميزات النسبية لهذه الترجمة أو تلك. 
 
المقارنات اختبار للذات، وتطواف على دروب الانفساح على النقد بأنواعه الخلاقة وغير الخلاقة، وعلى القرق أن ينبري بدوره لما سيقوله النقاد، تماماً كحال مجايليه في ترجمات الرباعيات إلى العربية. 
 
***
 
أزعم أن مدخله إلى الخيام تساوق مع شعريته المُتقادمة والمدوْزنة بعلاقة مديدة بالموسيقى، فقد كان قديم الصلة بالعزف والإيقاع  والسماع المتذوق، بل إنه جرّب أشكالاً من المهارات الموسيقية التاريخية، ثم كتب الشعر تساوقاً مع موسيقى التراث التي سادت في أقاليم الماضي القريب والبعيد في الإمارات ودول الخليج والمنطقة العربية، وكانت له صداقات حميمة مع الفنانين في حقول الموسيقى والتشكيل والنحت، ومن المعروف عنه عنايته الخاصة بشواهدهم، وبزياراته الحميمة لهم في منازلهم، وباتصاله المعرفي بآثارهم، مما لا نستطيع حصره في هذه العُجالة العاجلة.  
 
في أُفق آخر لعبت الحياة الثقافية الفكرية لعهود الأحلام والازدهار الإماراتي دوراً حاسماً في علاقته بالخيام، فالمترجم صاحب مكتبة شخصية فريدة، وفي تلك المكتبة شتّى أنواع المعارف والرؤى والأفكار، وفيها كثرة كاثرة من المتون والدوريات الثقافية .. لكن الأهم من هذا وذاك أن اطّلاعه على تلك الآلاف المؤلفة من الكتب أصبح ديدن حياته. أقول هذا الكلام من واقع معرفة شخصية بالأمر، فما من كتاب فتحته في مكتبته إلا وعرفت منه معلومات مسبقة عن محتواه، وما من كتاب أحببت استعارته إلا وبحث الرجل عن نسخة ثانية منه، والشاهد أنه يحرص على أن يكون لكل كتاب نسخة إضافية، وتلك إشارة إلى القيمة المعنوية الهائلة التي يمنحها للكتاب، ولهذا يصعب أن يُعير لك كتاباً لا يجد له أصلاً آخر. 
 
***
 
لم يلتزم محمد صالح القرق في ترجمته للخيام بالأشطار الأربعة للرباعيات، مُتجاوزاً مقتضيات النص الفارسي من الناحية الموسيقية، حيث عمَد إلى تنويع البحور الشعرية. غير أنه وبالرغم من ذلك تمكّن من الحفاظ على شكل وروح الجملة الخيامية.
 
 إن تحرير الأبحر والانطلاق نحو أربعة أبيات بشطرين لكل بيت جعل المترجم يحلّق في سماء البيان والبديع العربيين، فبدا النص نسيج ذاته المسحوب على شاعريته وقدرته التمثّلية للنص الخيامي حتى إنني أستعير هنا الرباعية التالية من اختيار الدكتور يوسف بكار والتي تدلل على التناغم بين الشعرية العربية المطبوعة في الشاعر، والأصل الفارسي .. يقول القرق :
 
لعفوك ربِّ رفعت اليدين               فأنت المغيث وأنت المعين
لئن طوحت بي ذنوبي الجسام         ومر الزمان وجف المعين
وأُججت النار في مهجتي            على ما جنيت طوال السنين
فلست قنوطاً وكلي رجا            إذا جئت في الحشر صفر اليدين
 
 بالرغم من عوالم الأسئلة والحيرة التي سادت آداب الخيام ورباعياته إلا أنه كان يسترخي في أحضان الإيمان والتسليم، وهكذا أرى القرق الذي يغيم في فضاء الأسئلة الوجودية الفلسفية القلقة، وذلك بقدر حضوره اليقيني في التسليم الإيماني، ومن يتتبع أدعيته الرمضانية سيرى ذلك البعد اليقيني الإيماني المتصل بالغيب، وبهذا المعنى تصبح الحيرة مدخلاً مؤكداً لليقين.
 
***
 
السؤال هنا طريق سالك نحو الجواب، فيما يتحول الإيمان إلى مرتبة تتصل بعوالم الأنا ومثابتها ..  
 
ولهذا كان ديدن القرق في معرفة الحق مُحايثة لما كان عليه الخيام الذي يقول:
" اللهم إني عرفتك على مبلغ إمكاني، فاغفر لي، فإن معرفتي بك وسيلتي  إليك". 
 
***
 
لتتبع منهج آخر المترجمين العرب لرباعيات الخيام وفضاءات تعامله مع نص الخيام سنختار من فهرست الرباعيات المترجمة نصاً، وسنضعه تحت عنوان نختاره  للتدليل على المعنى، ثم نأتي لاحقاً على بعض الإشارات الخاصة بعوالم " الخيام/ القرق " تناصاً وتواشجاً، وعلى النحو التالي:
 
حيرة الإنسان
ووا أسفا عجزنا دون نيل           لما نبغي فيا عنت الشقاء
تدور رحى الزمان بنا فتُردي       وتطحن كل ما تحت السماء
فما كدنا نرى ذا الكون حتى     تغشّتنا المنون إلى فناء
فلم ندرك مراد النفس يوماً       ولم نقطف لبانات الهناء
 
حقيقة الدهر
أيا نفس اتركي عنك الأماني        ولا تُرجي من الدهر العطاء
ومن فلك يدور فلا ترجي        رفاهية تنال ولا هناء
إذا كان اطّلابك للتداوي              يزيد سقامك المدفون داء
فعيشي بالتحمل للمآسي            وخلي عنك يا نفس الدواء
 
وسنواصل المزيد من الاختيارات المشفوعة بعناوين افتراضية تشي بالمحتوى الذي ذهب إليه الخيام وهو يسطر رباعياته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس.
 
***
 
فيما يلي المزيد من العناوين التي تشي بروحية ومقاصد عمر الخيام، مُعتمدين في ذلك على آخر ترجمة عربية له قدمها الأستاذ محمد صالح القرق.
 
حياة أبيقورية
حان وقت الصبوح قم يا حبيبي      أنت دائي وفتنتي ودوائي
       قرب العهد أحينا بنشيد                 واسقنا الراح فهي أخت الغناء
فلكم أهلك المصيف بكر            ومرور كذاك حال الشتاء
من " قباذ " ومن ألوف " جماشيــــد" فساروا جميعهم للفناء
 
المصير
خلق الكون والمآسي بناها        وكذا الأرض بعد ذاك دحاها
وسقى في القلوب نبتة حزن    أدمت القلب والحشا بلظاها
كم شفاه مثل اليواقيت أو كم      مثل مسك ضفائر في شذاها
أُودعت في عميق أرضٍ وساخت      في تراب بجوفه مثواها
 
الحُجُب
حُجُب الأسرار تستعصي فما      من سبيل نحو تمزيق الحجاب
سر خلق النفس قد أعيا الورى    إن تسل عنه سيُتعبك الجواب
ليس للإنسان، كلا، منزل       يحتويه غير طيات التراب
لهف نفسي إن هذي قصص         لا قصيرات وفيهن العجاب !!
 
هذه الاختيارات العابرات تبدو كالسحب المسافرات في سماء الخيام الواسعة والتي تتمدد بمدى أسئلته القلقة وتقلباته المشتعلة بمحارق النفس والوجود، وهو ما جعل العالم برمته يتماهى طرباً وقلقاً مع رؤاه ومقارباته وتخريجاته.
 
أقف هنا لأترك الزمن مفتوحاً على رجع صدى المعاني الكلية التي يحملها نص الخيام، وتتمرأى في سماء البديع الراكز محفوفة بدهرية الانتماء للحدث العابر، ثم التحول الدائم، وما يتجاوزهما إلى أزمنة الإبداع الخارقة للنواميس والمرئيات والمألوفات. 
 
***
 
في أفق ما يمكننا تتبع الخيام من خلال استدعاء بعض الأسماء الفارقة في تاريخ الفكر والإبداع، فالتشابه بينه وبينهم يتصل بعمق معرفة الخيام من جهة، كما يكشف دائرية الحيرة الوجودية التي تجعل منهم جميعاً كما لو أنهم كواكب في مجرة واحدة، فمن جهة كان للخيام تقاطع مؤكد مع الحالة التساؤلية السقراطية، مع فارق جوهري يكمن في أن سقراط الفيلسوف كان يُجادل مريديه ويُمعن في التساؤلات المفتوحة على جدل الكلام، ويوصل بهم ومعهم إلى تخوم الأجوبة مُتخلياً عن دور العارف!! ودون أن يبدو عليه أنه صاحب الجواب. وبالمقابل كانت تساؤلات الخيام مزروعة في ذاته، وفي مونولوج الأنا المُتْعبة بالضنى والتمزق.
 
تلك واحدة.. ومن جهة أخرى يتقاطع الخيام مع جلال الدين الرومي مع فارق أساسي أن الرومي وجد طمأنينته في ظلال الجواب القرآني المرصود في آيات الكون ناظراً لدائرية الوجود الموصول بالنبع الأول، فيما تمرأت طمأنينة الخيام بحالة استجلاء لثنائيات الوجود، مع إقرار ضمني بدائرية الكون أيضاً.
 
كان الخيام مُقيماً في المنطق الرياضي المحكوم بلوغاريتمات موسيقية متآلفة، وكانت علاقته بالفلك إبحار فيما يتجاوز اللوغاريتمات الرياضية ومقتضياتها، غير أن شعريته وجدت في البُعدين معيناً لا ينضب، فبقدر هيامه وغرامه كان راكزاً واثقاً، وبقدر تطيره كان مُطمئناً رصيناً.
 
***
 
لم يكن الشاعر الفيلسوف، وعالم الرياضيات والفلك عمر الخيام بعيداً عن فلسفات الفراغ الفني، ومقتضياتها الإبداعية المجبولة على إدراك مستودع القيم الجمالية في أساس الغائب، فالصمت والغياب وغير المرئي والبعيد عن الإدراك كانت منظومته الفريدة التي سطر بها رباعياته الهائلة.
 
ليس غريباً والأمر كذلك أن تستبطن رباعيات الخيام موسيقى الوجود، ومعنى الصمت في أساس الإشارة، والتداعي الحر مع الأحوال " التي تُصرِّفنا ولا نُصرِّفها " كما يقول الرائي. ولهذه الأسباب مجتمعة نالت الرباعيات مكانة استثنائية في ذاكرة الشعر العالمي، وتسابق الناس في تتبع حيرة الخيام وتنويعاته، وظل السؤال المتسائل مشرعاً في وجه الخيام ومن جاور إبداعه، وكان للعربية حضورها في تضاعيف الأسئلة والبديع الخياميين.
 
ما قام به الأستاذ محمد صالح القرق إضافة نوعية لسلسلة الترجمات العربية، وهي ثمرة ناجزة لجهد طويل تكامل مع احتياطات وافرة من التأمل والتدقيق والصبر والتمازج العرفاني مع الخيام. إنه عمل مشهود، وجهد محمود يمثل خلاصة لمعايشة وحيرة تصل السؤال بالسؤال، وتتقرّى ما وراء الآكام والجبال، وتقول بلغة البيان ما يتسع لفضاء الإشارة، وتمسك بأهداب المعاني التي كالمعاني بهاءً وسطوعاً.